وزير الاتصال: “نحارب الإشاعة ببث الحقيقة يوميا وبانتظام”

0
939

أفاد وزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة، عمار بلحيمر، بأن “التدابير العملية والواقعية التي اتخذتها السلطة التنفيذية أثبتت لحد الآن نجاعتها، والدليل على ذلك أرقام انتشار جائحة كورونا على مر الأسابيع والتي تدل على أن الضرر على الجزائر لايزال خفيفا نوعا ما مقارنة بعدة دول عبر العالم”. وكشف بلحيمر، في حوار مع “الخبر”، عن إعادة ترميم قطاع الإشهار العمومي وتطهيره من أهل النفوذ الشيطاني التي كانت تقف وراء الستار وتحرك الخيوط داخل الشركة الوطنية للنشر والإشهار المكلفة بتسيير الإشهار العمومي والمؤسساتي”.

بصفتكم ناطقا رسميا للحكومة، هل لكم أن تضعونا في صورة عامة عن عمل الحكومة في مواجهة وباء كورونا؟

تنفيذاً لقرارات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، التي تم اتخاذها في الأطر المؤسساتية المختلفة، كمجلس الوزراء والمجلس الأعلى للأمن، أصدر الوزير الأول السيد عبد العزيز جراد الإجراءات التنفيذية والوقائية والاحترازية الضرورية للتصدي الفوري والتدريجي والمتواصل لوباء كورونا المستجد والمستشري، أول إجراء في هذا الصدد اتُخِذ منذ 21 جانفي الفارط.

وَوُضِعَتْ لهذه الحزمة من التدابير الأشكال القانونية اللازمة والملائمة، وهي الترتيبات والأطر التي اطلع عليها القاصي والداني من خلال وسائل الإعلام المختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي، خاصة منها مواقع الاتصال المؤسساتي. تتلخص هذه الإجراءات العملية في فرض الحجر الصحي بطريقة تدريجية في عدة ولايات من الوطن ابتداءً من أقاليم البليدة التي تعتبر بؤرة الوباء في الجزائر وكذلك في العاصمة المجاورة لها.

تبِعت هذه التدابير الحيوية تعليمات صارمة لرفع الحواجز التي تعيق النشاط الاقتصادي وعمليات تموين المواطنين بالمواد الأساسية وكذا ضمان أدنى حد من الخدمات العمومية. وقد أُرْفِقت هذه الإجراءات بقرارات أخرى تهدف جُلها إلى حماية أرواح وصحة وسلامة المواطنين، وذلك بوضع نظام تكفل ومرافقة خاص يخضع لنظام وقائي تأطيري على الصعيد الوطني ويهدف إلى تجنيد المواطنين وتوعيتهم بطرق بيداغوجية. كما تعرفون، توالت الإجراءات الملموسة تلو الأخرى والمراد بها تحديد شروط الحجر الشامل أو الجزئي وكذا ظروف ومقاييس التنقل أثناء أوقات حضر التجول الصحي. تعرفون أيضاً أن السلطات العمومية أغلقت الحدود البرية وأوقَفت جميع الرحلات الجوية والبحرية، (باستثناء نقل البضائع) كما أوقفت حركة وسائل النقل عبر المدن والولايات، علماً أن تنقل الأشخاص من نقطة إلى أخرى عامل مشجع لانتشار الوباء الكاسح.

يلوم الكثيرون خاصة منهم الخبراء، طريقة التواصل والاتصال المعتمدة من طرف الحكومة في التعاطي مع الرأي العام فيما يخص مستجدات الوباء، ما ردكم؟

لا أدري من هم هؤلاء الخبراء الذين تتكلمون باسمهم لدى انتقادكم لطريقة التواصل والاتصال التي اعتمدتها الحكومة والتي أنا عضو من أعضائها وناطق رسمي باسمها. لا أعرف إذن فحوى هذا الانتقاد ولذلك لا يمكنني أن أرد عليه جملةً وتفصيلا. كل ما أستطيع قوله هو أن الحكومة تسعى إلى إيجاد أبسط وأنجع صورة للتواصل مع الرأي العام وذلك بإيصال المعلومة الصحيحة والدقيقة والمؤكدة عبر القنوات الرسمية ومن خلال وسائل الإعلام العمومية المكتوبة والمسموعة والمرئية. يهدف هذا الاختيار المدروس إلى تبسيط طريقة التعامل مع الخبر، وذلك من خلال اعتماد العرض المبسط لأرقام تطور انتشار الفيروس عبر أنحاء الوطن.

وتم اختيار ثلاثة وسائل إعلام عمومية تفادياً للاكتظاظ داخل قاعة المحاضرات بوزارة الصحة وربحاً للوقت نظراً لمحدوديته من جراء حضر التجول المفروض على العاصمة ابتداءً من المغرب بادئ ذي بدءٍ ثم في وقت العصر بعد ذلك.

وللتحكم الصارم في عملية عرض أوجه تطور انتشار وباء كورونا المستجد، أمر رئيس الجمهورية بإنشاء لجنة علمية مكونة من أهل الاختصاص العلمي والخبرة الطبية والصيدلانية مهمتها التقصي والمتابعة والتحليل والتقويم والإقرار والقرار بما هو ضروري ونافع وناجع في مجال التصدي لخطر كورونا الداهم. وتوخياً للمصداقية العلمية واحتراماً لشرعية الأطباء، تقرر في ذات الوقت أن يكون الناطق الرسمي باسم هذه اللجنة العلمية البروفيسور جمال فورار، مدير الوقاية بوزارة الصحة، وهو الذي يقدم منذ فترة وفي كل يوم الحوصلة الطبية المفصلة والمدعمة بالإحصائيات الدقيقة والمؤكدة لخريطة انتشار فيروس الكوفيد 19. وقد سمحت طريقة التعامل هذه بالحد من انتشار وباء الأخبار الكاذبة والأرقام المزيفة والحقائق المشوهة خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهي بالأحرى وفي الكثير من الأحيان شبكات التضليل والتلفيق والتعتيم والتحريف.

لوحظ في الآونة الأخيرة سيطرة الأخبار المغلوطة والكاذبة على المشهد. هل هو تقصير منكم في ترك الساحة فارغة أمام الإشاعة، أم في تطور أساليب وطرق انتشارها خصوصاً في مِنصات التواصل الاجتماعي؟

أرى إجحافا كبيرا في سؤالكم وكأنكم تتجاهلون عمدا وجود اللجنة العلمية المختصة التي تجتمع بانتظام ودون هوادة وتُقدم يوميا عبر وكالة الأنباء الجزائرية والإذاعة والتلفزيون العموميين، كشف حال تفشي جائحة كورونا في الجزائر وقياساً لمدى انتشاره عبر العالم. دون أن أنسى باقي قطاع الإعلام الوطني المهتم اهتماماً فائقاً بنفس الموضوع بما فيها جريدة “الخبر” التي تمثلونها. أما فيما يخص ظاهرة الإشاعة، فمن المسلم به أنها ظاهرة بشرية عالمية ومتواجدة منذ خروج آدم وحواء من جنات عدن وستبقى موجودة ما دام الإنسان قائم على أديم هذه الأرض الفانية. لا يسعنا إذن إلا السعي الدؤوب للحد من مفعول الإشاعة وذلك بمحاربتها بالطريقة المثلى وهي بث الحقيقة التي وجب نشرها يومياً وبانتظام.

يرى متابعون أن الإجراءات المتخذة لحد الآن من طرف الحكومة لإبطاء انتشار الفيروس تبقى في غير المستوى المطلوب، كيف تردون؟

بدوري أسألكم: ما هو المستوى المطلوب وعلى أي أُسس علمية تحددون سقف هذا المستوى أو الحد الأدنى منه؟، ووفقاً لأي معايير تجزمون بأن الإجراءات التي اتخذَتْها الحكومة للحد من انتشار الكوفيد 19 تبقى دون المستوى كما تزعمون؟، فقد لا يختلف اثنان من ذوي النوايا الحسنة، أن التدابير العملية والواقعية التي اتخذتها السلطة التنفيذية أثبتت لحد الآن نجاعتها والدليل على ذلك أرقام انتشار الجائحة الكورونية على مر الأسابيع والتي تدل على أن الضرر على الجزائر لا يزال خفيفاً نوعاً ما مقارنةً بعدة دول عبر العالم، مع العلم أن كل وفاة وكل تضرر أيا كانت حدته نتأسف له كثيراً لأن صحة الجزائريين وأرواحهم غالية جدا بل لا ثمن لها.

يتخوف المواطنون من أزمة غذائية رغم طمأنة السيد الوزير الأول لأكثر من مرة أن المخزون الوطني الغذائي كاف، ما تعليقكم؟

سؤالكم هذا يُذكرني بكاسندرا في الأساطير الإغريقية وهي التي سخِرت من أبولو فانتقم منها بأن جعل كل تنبؤاتها خاطئة وتكذب. الغريب أنكم تتكلمون عن شيء لم يحدث بتاتا، حيث لم نر له أي مؤشر يدل على وجود أزمة غذائية أو حتى على إمكانية حدوثها على المدى القصير أو المدى المتوسط أو البعيد. أنتم تتكلمون في الحقيقة عن ظاهرة يُحتمل وجودها ويُفترض أن تحدث. تتحدثون في الواقع عن تخوف بالرغم من طمأنة الوزير الأول لأكثر من مرة بأن المخزون الغذائي الاستراتيجي يكفي للاستجابة لحاجيات المواطنين الأساسية. ونلاحظ في هذا الشأن أن الجزائريين اتسموا بالهدوء وتحلوا عموماً بروح الانضباط، حيث لم نُسجل لهم تصرفات تدل على قلقهم وتخوفهم المفرط اللهم إلا في حالات تزايد الطلب البالغ على مادة السميد وما تبعه من تعدد الطوابير هنا وهناك. من بين الإجراءات الهادفة لضمان العرض في الأسواق الوطنية، تلكم المتعلقة بمنع تصدير 17 منتوجا حفاظا على الاحتياط الاستراتيجي للبلاد، لاسيما أن هذه المواد الحساسة تستفيد من دعم الدولة.

ما الإجراءات المقررة لحماية القطاع الخاص من الخسائر المترتبة عن وباء كورونا؟

لماذا تستثنون القطاع الاقتصادي العمومي من الخسائر الناجمة عن انتشار واستمرار أزمة جائحة كورونا؟ اللهم إلا إذا اعتبرتم أنه في منأى عن ذلك لأسباب لا تفهمون مغزاها إلا أنتم؟ أعتقد أنه لم يفُتكم أن الدولة الجزائرية تنظر للقطاع العمومي والقطاع الخاص على أساس أنهما وجهان لعملة واحدة وهي الاقتصاد الوطني. ورغم انهماكها العميق في إدارة الخطر الأعظم الذي يُمثله وباء كورونا المستجد من زاوية الحفاظ على أرواح وصحة المواطنين، دأبت الحكومة على دراسة عواقب الأزمة من الجانب الاقتصادي واتخذت في هذا الباب إجراءات دفاعية ووقائية من شأنها تخفيف وطأة الأزمة على جميع المتعاملين الاقتصاديين خواصاً وعموميين. وكان ذلك من النواحي الاقتصادية والمالية والجبائية. على سبيل المثال لا الحصر، اتخذ بنك الجزائر سلسلة من الإجراءات المرحلية والاستثنائية تخص البنوك وتقضي بتوسيع مجال وإمكانيات القرض لصالح الشركات الاقتصادية المتضررة بسبب تفشي جائحة كورونا. وتخص هذه التدابير، تأجيل تسديد الديون التي وصل أجل دفع مستحقاتها وكذا إعادة جدولتها إن اقتضى الأمر. وقصد تسهيل عمليات القرض في هذا الظرف العويص، طلب بنك الجزائر من بنوك الساحة إعفاء المقترضين من تقديم الحد الأدنى من الضمانات المطلوبة عادةً للحصول على القروض. وفي ذات الوقت طلب البنك المركزي من البنوك العمومية والخاصة، تجنيد أكبر قدر ممكن من السيولة النقدية قصد تسهيل عمليات القرض.

بصفتكم وزيرا للاتصال، تابع الرأي العام وضع ثلاثة صحفيين تحت الرقابة القضائية بسبب مقال صحفي، قدر القضاء أن هذا الأخير فيه مساس بالوحدة الوطنية، هل لكم توضيح ذلك؟

بصفتي صحفيا ورجل قانون أنا معني بطبيعة الحال بكل ما له علاقة بممارسة مهنة الصحافة في الجزائر من باب الحقوق ومن بوابة الواجبات، ولكن وكوزير للاتصال ناطق رسمي للحكومة لا يحق لي الخوض في الملفات القضائية والتعدي على سيادة القضاء وحرية القضاة. فلْنترك العدالة تتابع مجراها العادي ولا نحكم مسبقاً على قضايا لم يتم بعد الفصل النهائي فيها “لكل مقام مقال ولكل أجل كتاب” كما تقول الحكمة الشعبية.

لكن يتخوف الإعلاميون في المدة الأخيرة من عودة مقص الرقابة على العمل الصحفي من خلال وضع إعلاميين في السجن وتوقيف جرائد إلكترونية بالرغم من تعهد رئيس الجمهورية بحماية مكتسب حرية الصحافة في الجزائر، ما قولكم؟

سجلت في سؤالكم هذا مفردات كالتخوف، مقص الرقابة والتوقيف، وهي كلمات ثقيلة المغزى وتوحي بصورة جد مبالغة بوجود مشهد إعلامي قاتم. فعلا، هناك بعض الصحافيين وهم قلة قليلة توجد ملفاتهم بين أيدي العدالة ولا يحق لي بصفتي وزيراً وناطقاً رسمياً للحكومة الخوض، جملةً وتفصيلا، في مسائل تخص العدالة وهي المخولة بالقول إن كانت للقضايا هذه علاقة بحرية الصحافة أم أن الزملاء المعنيين أوقفوا لأسباب أخرى. فلننتظر إذن نتائج التحريات والحكم القضائي النهائي لنعرف فحوى الموضوع. تتكلمون أيضاً عن مقص الرقابة وكأن الصحف مُنِعت من أداء مهامها وأن صحافييها مُنِعوا من الكتابة أو يكتبون تحت الإملاء أو بإيعاز من واعز. ربما أن هناك شيء من الرقابة الذاتية يجب على الصحافيين التخلص من عقدتها السلبية.

تتطرقون من جهة أخرى، إلى توقيف بعض الجرائد الإلكترونية وكأنها كُثْرٌ. ولا يتعلق الأمر إلا بحالتين استثنائيتين وهما جريدة “مغرب إيميرجان ” (Maghreb Emergent) و”راديـو م بوست”(Radio MPOST)  التي يديرها صحافي مارس القذف والقدح والذم والتجريح في حق شخص رئيس الجمهورية فأساء له أيما إساءة متجاوزاً بذلك حدود الأدب واللياقة والقانون في آن واحد. توقيف هاتين النشريتين توقيف احترازي في انتظار إتمام إجراءات المتابعة القضائية وفقاً لأحكام قانون الجنايات وقانون الإعلام، وهي الأحكام التي تتكفل بوضوح بحالات الإساءة والمساس بأعراض وشرف الأشخاص، وعلى وجه الخصوص شخص رئيس الجمهورية أثناء تأدية مهامه الدستورية. فكما يقول المثل الشعبي العربي القديم “جنت على نفسها براقش”.

مؤسسات إعلامية عديدة تعاني أزمة مالية صعبة سببها تأخر أو تعذر دفع رواتب الصحافيين والعمال فيها لعدة شهور، ويزداد الوضع تعقيداً مع أزمة كورونا، حيث تقف وسائل إعلام أخرى عاجزة عن دفع الرواتب، كيف تتابعون الأمر؟

بطبيعة الحال أتابع عن كثب وبقلق فائق الضائقة المالية الخانقة التي تعيشها أغلبية وسائل الإعلام في بلادنا. ولكن هذه الأزمة ليست وليدة اليوم غير أنها تفاقمت بفعل الأزمة الكبرى الذي يمثلها انتشار وباء كورونا. فقبل حلول “كوفيد 19″، كانت أسباب الأزمة المالية التي تعرفها غالبية العناوين الإعلامية معروفة. وتعود بطبيعة الحال إلى قانون العرض والطلب وإلى الأنماط الاقتصادية التي اختارتها وسائل الإعلام وكذا إلى أساليب تسيير الموارد المالية والبشرية من قِبَلِها… دون أن ننسى عامل تكنولوجيات الاتصال الحديثة والرقمنة، بحيث أن أغلبية المؤسسات الإعلامية تأخرت كثيراً في رَكْبِ موجة التحول من النظام الاقتصادي والإعلامي القديم إلى نظام الرقمنة الحديث وما يتطلبه من عمليات تحول سريع وتأقلُم ضروري مع مستجدات تكنولوجيات الاتصال والتواصل الحديثة. فعلى حد قول الشاعر الجزائري المقتدر عمر أزراج “ألا تجدد أو تعدد أو تبدد”. إذ لا يمكن للصحافة الوطنية أن تبقى في منآى عن العصرنة والرقمنة.

هذه الأزمة الكبيرة التي تعيشها الصحافة الوطنية لا تخصها وحدها بل طالت عواقبها الصحافة في جميع دول العالم وستزداد حدة مع مرور الوقت واستفحال جائحة كورونا إن طال عمرها، ونظراً لما لها من عواقب اقتصادية وخيمة تنعكس سلباً على موارد الإشهار التي لا يمكن لوسائل الإعلام أن تعيش من دونها. كما يقول المثل الشعبي “رُب ضارةٍ نافعة”. فقد تكون أزمة كورونا فرصة سانحة جدا بحيث تساعد على التحول الممنهج من الصحافة المطبوعة إلى الصحافة الرقمية المبنية على النص والصورة والصوت وتُعرض على شكل بوابات متعددة الخدمات. فعندما تلاحظ أن أكثر من 70٪ من عناوين الصحف المطبوعة قلصت من عدد صفحاتها أو توقفت تماماً عن السحب، تدرك أن عملية التحول الرقمي لهذه الجرائد والمجلات أصبح ضرورة قصوى وعملية استعجالية.

أعلنتم منذ توليكم شؤون وزارة الاتصال عن فتح ورشات لإصلاح قطاع الإعلام، ما المطلوب تغيـيره في هذا القطاع الحساس من وجهة نظركم؟

المتمعن في المشهد الإعلامي لا يقول بعد التبصر إن سقف بيته حديد وركن بيته حجر، بل يرى فيه شيئاً من الخراب وكثيراً من الألغام. بصفتي صحافي مخضرم ونقابي سابق مدافع عن حرية الصحافة وحقوق الصحافيين، واليوم كوزير للاتصال لدي بطبيعة الحال فكرة واضحة عما يستوجب القيام به من إصلاحات عميقة وشاملة. تسألونني عما يجب تغيـيره في هذا القطاع الحساس، أقول لكم كل شيء مُرشح للترميم والإصلاح والتغيـير. نحن في مرحلة تاريخية نادرة تتطلب إعادة البناء والبناء الجديد. وقد حددنا عشر ورشات إصلاحية كبرى تمس جميع فروع قطاع الإعلام. تَقرر إذن سن القوانين التشريعية والنظامية اللازمة التي ستُنظم وتُأطر وتُقنن الصحافة المكتوبة والإعلام الرقمي ووسائل الإعلام السمعية والبصرية وكذا الإشهار ووكالات الاتصال والتوزيع ومعاهد سبر الآراء دون أن ننسى مسائل حساسة وحيوية كبطاقة الصحافي المهني ومجالس أخلاقيات المهنة وتشجيع الفاعلين في القطاع وبالدرجة الأولى الصحافيين، على تنظيم أنفسهم في نقابات تدافع عن حقوقهم المعنوية والمادية وعن الحريات. كما يمكنكم ملاحظته تُشكل هذه الورشات تحديا عظيماً يشبه أشغال هرقل كما هي معروفة في الميثولوجيا اليونانية.

رفعتم في وقت سابق تعهداً بضبط الوضع القانوني للصحف الإلكترونية الناشطة في الجزائر وتمكينها من الاستفادة من الإشهار العمومي. أين وصل المشروع؟

موضوع الصحف الإلكترونية فيه شقان. جـزء مرتبط بتسوية الوضع القانوني لعناوين الصحافة الرقمية وقد تم التعجيل بذلك بطلب من رئيس الجمهورية نفسه الذي ألح على ضرورة دخول الصحافة الرقمية مجال القانون وخروجها من دائرة الظل إلى دائرة الضوء، ضوء القانون. وقد تم تحضير هذا النص الاستدراكي بعد مشاورات ضمت فاعلي القطاع وعددا وافرا من الوزارات، يهمنا الاطلاع على آرائها وملاحظاتها من باب التعاضد الحكومي. ويتعلق القسم الثاني بسن قانون يتم بموجبه تنظيم عالم الصحافة على الأنترنت مراعين في ذلك التحولات المهولة والسريعة جدا التي تعرفها تكنولوجيات الرقمنة على مر الأيام. وسيتم التحضير لهذا القانون الأساسي على أسس الصرامة والجدية والاستماع والحوار البناء والمشاركة والنقاش الدؤوب مع نساء ورجال المهنة وذوي الاختصاص والخبرة في جميع القطاعات، تعميماً للفائدة.

يطالب أهل مهنة الصحافة بتحرير الإشهار العمومي والمؤسساتي، فمتى يتحقق هذا المطلب الجوهري؟

أولا للتوضيح، إن الدولة تتحكم في توزيع مواردها العمومية من خلال مَنْسُوب الإشهار والذي لا يمثل أكثر من 65٪ من السوق الإشهارية الإجمالية. وأكثر من ذلك، فإن هذا الإشهار العمومي الذي هو دعم غير مباشر للصحافة الجزائرية، سواء كانت عمومية أم خاصة، يعني أن الدولة لا تفرق بين صحافتها، وهذا من باب المحافظة أيضاً على مناصب الشغل والتعددية الإعلامية.

يبقى أن أسألكم، ما مقصودكم بعبارة “تحرير الإشهار العمومي والمؤسساتي”؟، وهل معنى ذلك إخضاعه لقانون العرض والطلب وسحبه من الشركة الوطنية للنشر والإشهار التي تعمل على توزيعه على أساس أنه دعم غير مباشر للصحف العمومية والخاصة التي لا يمكنها أن تعيش من دونه؟ تصوروا ولو لحظة واحدة، وضعاً كهذا فسترون حينئذ أن تحرير السوق في هذه الظروف العويصة والحرجة التي تعيشها بلادنا من جراء الجائحة الكورونية والكساد العميق الذي تعرفه سوق المحروقات بسبب الانخفاض المفزع الذي يسود أسواق النفط والغاز، سيكون بمثابة الضربة القاضية للأغلبية الساحقة من المؤسسات الإعلامية إن لم أقل جميعها في هذه الظروف التاريخية المعقدة والمتميزة بالقحل الاقتصادي والجفاف المالي، يبرز دور الدولة كعامل استقرار وتوازن وكحام للمؤسسات الصغيرة والهشة التي تمثلها الصحافة المكتوبة والتي ستنقرض لا محالة إن إفْتقَدَتْ إلى أدنى حد من الإشهار العمومي والمؤسساتي.

قبل تطبيق قانون العرض والطلب الصارم، لابد من المرور بمرحلة انتقالية يتم خلالها إعادة ترميم قطاع الإشهار العمومي وتطهيره بعد تعرضه لسرطان الفساد والرشوة الذي نخر هياكله وسهل عملية استنزاف المال العام من قِبَل قوى غير إعلامية وعصابات سياسية وزمر من أهل النفوذ الشيطاني التي كانت تقف وراء الستار وتحرك الخيوط داخل الشركة الوطنية للنشر والإشهار المكلفة بتسيير الإشهار العمومي والمؤسساتي. بفضل نهب أموال الإشهار العمومي المتدفقة خلال العشرين سنة الفارطة، تشكلت زبانية خطيرة ترعرعت بفضل الثراء الفاحش وشكلت شبكات النفوذ والولاء المتغلغلة في دواليب الإدارة والصحافة وفي مراكز القرار على مستويات مختلفة.

لذلك، وبدعم قوي من رئيس الجمهورية وبمساندة العديد من قوى الوطنية والنزاهة والشرف الجمهوري، باشرنا منذ أيام، عملية تطهير واسع وهيكلة معمقة للشركة الوطنية للنشر والإشهار بعد تعيين مستشاري العربي ونوغي مديرا عاماً لها وتغيير مجلس إدارتها كلية واستقباله لشخصيات قوية تتسم بجودة خبرتها المالية وعمق تجربتها في التسيير الاقتصادي والإداري وكذا بنزاهتها ووطنيتها التي لا تشوبها شائبة. هذا الطاقم الصلب والمتماسك مكلف إذن بالتطهير والتنظيم المحكم والتجديد وتحويل الشركة من علبة توزيع الريع الإشهاري إلى مؤسسة إبداع وخلق مناصب الشغل والثروة والخروج شيئاً فشيئاً من دائرة التبعية والاحتكار المرتبطة بتسيير الإشهار العمومي والمؤسساتي.

ما القصد من “القوى غير المهنية” التي أعلنتم محاربتها في قطاع الإعلام؟

هذه القوى يشكلها خليط من الطفيليات والطحالب الدخيلة على قطاع الإعلام والتي اخترقته على مر السنين قصد كسب النفوذ السياسي واستقطاب المال العام، من خلال الاستحواذ على أجزاء كبيرة من الإشهار العمومي والمؤسساتي.

مطالب عديدة تدعو إلى الإسراع في تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، فما سبب التأخر؟

إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة أقره قانون الإعلام الصادر عام 2012. سبب تأخر تنصيبه يعود إلى النظام السابق وإلى قدرته الفائقة على خلق الجمود والتقوقع وإفراغ الكثير من الأشياء من محتواها. وأنتم كصحافيين تعرفون من جهة أخرى، أن وجود قوى غير دستورية كان عاملاً مشجعاً لوجود قوى غير إعلامية في عالم الصحافة لها ارتباط عضوي بهذه القوى السياسية. ولذلك نفهم لماذا لم تر سلطة ضبط الصحافة المكتوبة النور إلى حد اليوم. فكما تعرفون، الخفافيش تخشى النور ويمكن أن يكون مجلس ضبط الصحافة مشكاة نور في عالم الإعلام ومصدر عقلنة وإرشاد ورشاد، كون سلطة ضبط الصحافة المكتوبة الورقية منها والمطبوعة عامل ترشيد وتقنين وضبط في حد ذاتها لا يعني بالضرورة أنها فرض عين. فالتفكير جارٍ حالياً في وزارة الاتصال حول جدوى إنشائها بحيث أننا نتساءل عن إمكانية الاستغناء عنها وتعويضها بمجالس أخلاقيات المهنة على المستوى الوطني وداخل قاعات التحرير تتحكم وحدها في ميكانيزمات وحيثيات العمل الصحفي يومياً.

لماذا قناة إخبارية وقناة سادسة للتلفزيون العمومي؟

يأتي تحول قناة الجزائرية الثالثة إلى قناة إخبارية نظراً لتعاظم الدور الإعلامي للتلفزيون الجزائري على ضوء الأوضاع الصحية التي تعرفها بلادنا، على غرار العديد من دول العالم بسبب تفشي فيروس كورونا. إن مرافقة الأحداث الوطنية والدولية لن يكون مجدياً ووافياً بقناة عامة، ومن هذا المنطلق يأتي تحول القناة الجزائرية الثالثة إلى قناة إخبارية ليستجيب لحاجيات الجمهور ولينقل حركية المجتمع في كافة المجالات. إن تحول قناة الجزائرية الثالثة من قناة عامة إلى قناة إخبارية، كان سيحرم الجمهور الجزائري من قناة ترفيهية عامة غير مشفرة تُبث على الساتل، ولذلك استغل التلفزيون الجزائري رواقاً فضائياً لم يكن مستعملاً لإطلاق قناة سادسة في بث تجريبي لعرض البرامج الترفيهية العائلية. المشهد الإعلامي للتلفزيون العمومي سيتم ترتيبه لاحقاً بمجرد خروج بلادنا من أزمتها الصحية الحالية، بحيث يصبح لكل قناة شبكة برامجية خاصة بها وفق اللغة والمحتوى.

  1. عن الخبر

أترك تعليق