لماذا تم تجريم التعامل بالعملات الافتراضية في الجزائر؟

0
1093

العملات الإفتراضية في الجزائر.. بين الحظر والتحديات الاقتصادية

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أصدرت الجزائر القانون رقم 25-10 المؤرخ في 24 يوليو 2025، الذي يُجرّم بشكل صريح التعامل بالعملات الافتراضية، مثل البيتكوين والتيثر (USDT)، داخل الأراضي الجزائرية. هذا القانون، الذي يُعدّل القانون 05-01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، يشمل حظراً شاملاً على إصدار، تداول، تعدين، أو حتى الترويج للعملات الرقمية، مع عقوبات تتراوح بين شهرين إلى سنة حبس وغرامات مالية تصل إلى مليون دينار جزائري. لكن ما الذي دفع الجزائر إلى اتخاذ هذا الموقف الصلب تجاه العملات الافتراضية؟ وهل يعكس هذا القرار رؤية اقتصادية حصيفة أم خوفاً من التغيير التكنولوجي؟

زبير فاضل

 

دوافع التجريم: حماية الاقتصاد أم مواجهة المخاطر؟

FILE PHOTO: Bitcoin logo, representation of cryptocurrencies and rising stock graph are seen in this illustration taken, July 7, 2022. REUTERS/Dado Ruvic/Illustrations/File Photo

تعود أسباب تجريم التعامل بالعملات الافتراضية في الجزائر إلى عدة عوامل اقتصادية وأمنية وقانونية. أولاً، تسعى السلطات الجزائرية إلى حماية النظام المالي الوطني من التعاملات غير المراقبة. العملات الافتراضية، بطبيعتها اللامركزية، لا تخضع لسيطرة البنوك المركزية، مما يجعل من الصعب تتبع المعاملات المالية المرتبطة بها. هذا الغموض يثير مخاوف من استخدامها في أنشطة غير قانونية مثل تبييض الأموال، تمويل الإرهاب، أو التجارة غير المشروعة، وهي مخاطر أكدتها السلطات كمحفز رئيسي للقانون الجديد.

ثانياً، يعكس هذا الحظر تمسك الجزائر بالفلسفة التقليدية لإصدار النقود، التي تتطلب وجود دعامة مادية كالذهب أو السلع، وهو ما تفتقر إليه العملات الرقمية التي تُبنى على معادلات رياضية وتقنيات بلوكتشين. وفقاً لأستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي، يرى البنك المركزي الجزائري أن العملة يجب أن تكون رمزاً سيادياً صادراً عن جهة رسمية، بينما تُعتبر العملات المشفرة أدوات افتراضية لا تستوفي هذا المعيار.

ثالثاً، يأتي القرار في سياق تعزيز السيادة الاقتصادية والحفاظ على استقرار النظام المصرفي. الجزائر، كدولة تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، تواجه تحديات في إدارة اقتصادها في ظل تقلبات الأسواق العالمية. استخدام العملات الافتراضية قد يؤدي إلى انتقال الودائع المصرفية إلى أصول رقمية، مما يضعف دور البنوك التقليدية ويؤثر على فعالية السياسة النقدية.

منظور نقدي: هل الحظر هو الحل؟

على الرغم من الدوافع المعلنة، أثار القانون انتقادات واسعة، خاصة من رواد الأعمال والشباب المهتمين بالتكنولوجيا. يرى البعض أن الحظر قد يعيق الابتكار ويحد من فرص الاستثمار في قطاع الاقتصاد الرقمي، الذي يشهد نمواً عالمياً متسارعاً. على سبيل المثال، أشار أحد المستخدمين على منصة X إلى أن التجريم “لا يحمي الاقتصاد، بل يعرقله”، مضيفاً أن التنظيم بدلاً من الحظر قد يكون أكثر فعالية في استغلال الفرص الاقتصادية وتقليل المخاطر.في المقابل، يُبرز النقاد تناقضاً في السياسات الاقتصادية الجزائرية. فعلى الرغم من تجريم العملات الافتراضية، لا يزال السوق الموازي للعملات (السوق السوداء) يعمل دون رقابة صارمة، مما يثير تساؤلات حول الأولويات الاقتصادية. كما أشار مستخدم آخر على X إلى أن “السوق السوداء حلال، بينما البيتكوين حرام”، معبراً عن استياء من هذا التناقض الظاهر.

التجربة العالمية: تنظيم بدلاً من الحظر

في حين تتجه الجزائر نحو الحظر الشامل، تتبنى دول أخرى نهجاً مغايراً يركز على تنظيم العملات الافتراضية بدلاً من تجريمها. دول مثل الولايات المتحدة وسنغافورة طورت أطر قانونية لدمج هذه الأصول في أنظمتها المالية، مما ساهم في جذب الاستثمارات وتعزيز الابتكار. حتى بعض الدول العربية، مثل الإمارات والبحرين، بدأت باستكشاف إصدار عملات رقمية مركزية، مما يعكس مرونة أكبر في التعامل مع هذا التحدي التكنولوجي.

بين الحذر والفرص الضائعة

يُعدّ قرار الجزائر بتجريم العملات الافتراضية خطوة تهدف إلى حماية النظام المالي والحد من المخاطر الأمنية، لكنه يثير تساؤلات حول مدى جاهزية البلاد لمواكبة التطورات التكنولوجية العالمية. في وقت يتجه العالم نحو الاقتصاد الرقمي، قد يكون التنظيم الذكي للعملات الافتراضية، بدلاً من حظرها، خياراً أكثر فعالية لتحقيق التوازن بين الأمن الاقتصادي واستغلال الفرص الجديدة. الجزائر، بإمكاناتها الاقتصادية والشبابية، قد تجد في هذا المجال فرصة لتعزيز مكانتها، إذا ما تمكنت من تحقيق توازن بين الحذر والابتكار.

أترك تعليق