
مبادرة وطنية لإحياء الأزياء النسائية والرجالية وأزياء الأطفال عبر تبرعات العائلات

دور اللباس التقليدي الجزائري… حصون الهوية في وجه الزوال والسرقة
أنا الجزائر – في كل قطعة قماش مطرزة بخيوط الحرير، وفي كل برنوس منسوج بالصوف الخالص، وفي كل ملاية سوداء أو كاراكو مرصع، تختبئ حكاية الجزائر عبر القرون. فاللباس التقليدي الجزائري، سواء كان نسائيا أو رجاليا أو حتى خاصا بالأطفال، ليس مجرد زي يُرتدى في المناسبات، بل هو ذاكرة جماعية ووثيقة تاريخية حيّة تُجسد أصالة المجتمع وتنوعه. غير أنّ هذا الموروث الثمين يواجه اليوم خطر الزوال، بين الإهمال والاندثار من جهة، ومحاولات السطو والتقليد من جهة أخرى، ما يستدعي مبادرات عاجلة تحفظه وتعيد له مكانته.
- بقلم: زبير فاضل
يُعَدّ التراث المادي جزءا لا يتجزأ من هوية الشعوب وذاكرتها الجماعية، فهو شاهد حي على التاريخ، وحامل للقيم، ومرآة للتنوع الثقافي والاجتماعي. وفي الجزائر، حيث تعاقبت حضارات عريقة من نوميديين ورومان وبيزنطيين وعرب وأتراك وأوروبيين، يظل التراث المادي عنوانا للثراء والفرادة. غير أنّه يواجه اليوم أخطارا حقيقية من اندثار وإهمال وسرقة وتقليد.
ومن بين أبرز مكونات هذا التراث المادي، يبرز اللباس التقليدي الجزائري، النسائي والرجالي وحتى الخاص بالأطفال، بكل أنواعه وألوانه وزخارفه التي تختلف من منطقة إلى أخرى، وتعكس عمق الانتماء وثراء الموروث. فالبرنوس الذي يزين كتف الرجال في الأوراس، والكاراكو العاصمي، والجبّة القسنطينية، والملاية التلمسانية، وأزياء الأطفال المطرزة في الجنوب… كلها ليست مجرد ملابس تُلبس في المناسبات، بل هي وثائق حية تختزل قصص الأجيال والمناطق، وتروي حكاية الجزائر بتفاصيلها الدقيقة.
فكرة “دور اللباس التقليدي الجزائري”
انطلاقا من هذا الوعي، تُطرح اليوم مبادرة وطنية تحمل بعدا حضاريا وثقافيا وأنا اقترح: فتح “دور اللباس التقليدي الجزائري” في كل ولاية من ولايات الوطن. تكون هذه الدور فضاءات مفتوحة أمام المواطنين والزوار والباحثين، تُعرض فيها الأزياء التقليدية الأصلية التي تبرعت بها العائلات، بعد أن ظلت سنوات طويلة حبيسة الصناديق أو الخزائن أو عرضة للتلف والنسيان.
إنّ هذه المبادرة ليست مجرد فكرة ثقافية، بل هي أيضا نداء إنساني للعائلات الجزائرية للحفاظ على ما تبقى من أزياء الأمهات والآباء والأطفال، وعدم تركها فريسة للاندثار أو الاستغلال التجاري غير المشروع. فكم من زي تقليدي أصيل تم تهريبه إلى خارج البلاد أو قُدِّم في محافل دولية على أنه ينتمي إلى بلد آخر!.
دور ثقافي وسياحي واقتصادي
“دار اللباس التقليدي الجزائري” يمكن أن تتحول إلى أكثر من مجرد قاعة عرض. فهي متحف حيّ يسمح للزوار من داخل الوطن وخارجه أن يكتشفوا جماليات اللباس الجزائري وتنوعه من السهوب إلى الصحراء، ومن الساحل إلى الجبال. يمكنهم أن يتأملوا كيف نُسجت الأقمشة بخيوط الحرير والصوف، وكيف زخرفت بالفضة والذهب، وكيف امتزجت الألوان لتروي قصيدة عن الأصالة والانتماء.
كما أنّ هذه الدور يمكن أن تضم ورشات للتكوين والإبداع، حيث يتم تدريب جيل جديد من الحرفيين والمصممين على صناعة الأزياء التقليدية وفق الطرق الأصيلة. وبهذا، تتحول المبادرة إلى رافعة اقتصادية تُعيد الاعتبار للصناعات التقليدية، وتفتح آفاقا للسياحة الثقافية، وتشجع على تنظيم معارض ومهرجانات محلية ودولية للتعريف باللباس الجزائري.
معركة الهوية وحماية التراث
إنّ حماية اللباس التقليدي الجزائري اليوم هي معركة هوية بامتياز. فحين يُسرق زي تقليدي جزائري ويُقدَّم في الخارج على أنه تراث بلد آخر، فإنّ الأمر يتجاوز مجرد قطعة قماش، ليصبح محاولة لمحو الذاكرة الثقافية للشعب الجزائري.
ولذلك، فإنّ الدولة مدعوة إلى تسهيل إنشاء هذه الدور في كل ولاية، ودعمها ماديا ولوجيستيكيا، مع سن قوانين أكثر صرامة لحماية الأزياء التقليدية الجزائرية من التقليد والسطو. كما أنّ المجتمع المدني والعائلات مدعوون للمشاركة في إنجاح هذه المبادرة من خلال التبرع بما يمتلكونه من أزياء أصيلة، والإسهام في جمع الشهادات والقصص التي ترافقها، لتبقى حية في ذاكرة الأجيال.
نحو مشروع وطني جامع
إنّ مشروع “دار اللباس التقليدي الجزائري” يمكن أن يتحول إلى مشروع وطني جامع، يشارك فيه الجميع: الدولة، الباحثون، الحرفيون، العائلات، ووسائل الإعلام. وهو مشروع يُعيد الاعتبار للتراث المادي في بُعده الرمزي والثقافي والاقتصادي، ويمنح الجزائر مكانتها المستحقة بين الأمم التي تفخر بتراثها وتدافع عنه.
فاللباس التقليدي الجزائري ليس مجرد زينة أو فولكلور، بل هو هوية وذاكرة وروح وطن. وحمايته مسؤولية مشتركة تبدأ من الوعي وتنتهي بالفعل، وبينهما الكثير من المبادرات التي يمكن أن تجعلنا أكثر وفاءً لماضينا، وأكثر استعدادا لصون مستقبلنا الثقافي.
ز. ف
تابعنا على فايسبوك: “أنا الجزائر تك”