
مَنْ يَتحَّمَلْ المَسؤُولِيَة؟!

عندما كان النظام الجزائري في سنة 1979، قائما على أُسُسٍ متينة، وحين مات بومدين، وتم تشييعُه، قال عبد المالك كركب، مدير الأمن الرئاسي في تلك الفترة، لعناصره: “لقد مات بومدين، وتم دفنه،ولكم الآن الحق في البكاء عليه لمدة نصف ساعة، بعد ذلك، لِيَمسح كلُ واحدٍ منكم دموعه، وليلتحق بمنصبه في خدمة الجمهورية، مع الرئيس الجديد”! وبالمقابل جمعنا مسؤول الاعلام في الرئاسة، وقال لنا، إنه من الصعب أن يملأ الرئيس الجديد مكان الرئيس الراحل، ولكن واجُبُنا تقديم العون للرئيس الجديد، ليتمكن من آداء مهامه على أكمل وجه، وإذا فَشِلَ، فالفشل فشلُنا نحن، وليس فشلُ الرئيس الجديد وحده!”.
هكذا كان يفكر من تركهم بومدين في الرئاسة!؟.
اليوم، تُرْتَكَبُ المَنَاكِرُ الاعلامية، والأمنية، باسم الرئيس، وباسم الرئاسة، ويُسَجَلُ ذلك على الرئيس وحده! فحين يقول الرئيس للرأي العام، أن عائلة واحدة، وُجِدَ عندها 500 ألف مليار مُخبأة، فبالتأكيد أنه ليس الرئيس من وَجَدَ هذا المبلغَ الخيالي، بل هُناك من قَدَّمَ له هذا الرقم المهول، الذي يستدعي عشرات الحاويات لتعبئته، ولهذا لم يتم التشهير به، والكشف عنه، كما يفعلون مع أصحاب الزيت، والحليب، فلماذا لا يتم التشهير بمن قدم المعلومة المضللة، والخاطئة للرئيس، ومُحاسبتِه على هذه الفضائح، التي لا تسيئ للرئيس فقط، بل للبلاد كافة! بالتأكيد المسؤولية لا يتحملها الرئيس وحده! فحين يقول أيضا، بأن الجزائر لا يوجد فيها مساجين رأي، ولعل من زوده بهذه المعلومة الخاطئة، هو الذي أعطى لصحيفة الوطن، المعلومة التي نشرتها، ردا على مقال السفير الفرنسي السابق في صحيفة “لوفيڤارو”، بأن “الرئيس تبون أطلق في السنوات الثلاث الأخيرة، 50 ألف سجين رأي”!؟ فلا أعتقد أن الرئيس يتحمل المسؤولية وحده! وهو الذي قال أيضا:”إن البلاد بها 200 صحيفة يومية، وفيها أكثر من 8000 صحفي، والأكيد أن هذه الأرقام قدمت له أيضا في تقارير مزورة، ولم يكتشفها لوحده! ولا أعتقد أنه يتحمل مسؤولية هذه الأخطاء الفادحة لوحده! والرئيس ليس خبيرا في الصحة، وليس طبيبا حتى يقول، إن الجزائر بها أحسن منظومة صحية، في أفريقيا، والعالم العربي!؟ لا شك أن هذه المعلومة المضللة، أعطيت له في تقرير صحي حول القطاع! وأنا هنا، لا أقول أن الرئيس لا يتحمل مسؤولية ما يقول، بل بالعكس، لأنه سَكَتَ عمن يقدمون له هذه المعلومات الخاطئة، أو سكت عن تعيين مسؤولين في الرئاسة بمستوى منحط !.
ذات يوم، قال لي المرحوم محمد شريف مساعدية، الرجل الثاني في الدولة خلال حكم الشاذلي، أنه دعي للرئاسة من قبل الشاذلي بن جديد، فذهب إليه، فوجده سعيدا، مغتبطا، فسأله مساعدية عن سِّر غبطته، وفرحه، فقال له الشاذلي:”أعطيك كأس شاي، وأسمعك شعرا ثوريا، قاله شاعر مصري في الثورة الجزائرية، لم يقل أحدٌ مثله، وأنا أعرف أنك تحب الشعر الثوري”! فوضع الشاذلي الشريط، وكان فيه المرحوم مفدي زكريا، شاعر الثورة الجزائرية، يُردد إلياذة الجزائر! فبُهِتَ مساعدية من المشهد، وقال للشاذلي: “من قال لك أن هذا الشاعر مصري، ومن أعطاك هذا الشريط؟!” فقال الشاذلي إنه وزير الاعلام والثقافة، بشير رويس، هو من أعطاني الشريط! فقال مساعدية للشاذلي: “هذا الشاعر ليس مصري، بل هو مفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية، وصاحب النشيد الوطني “قسما” الذي “تُڤَرْدِفُ” له كل يوم! فاغتاظ الشاذلي، وطلب وزير الاعلام في هاتف السيادة، وأشبعه سبًا وشتمًا، ولكن لم يقم بعزله!؟؟.
حين قَصَّ عليَّ مساعدية هذه الحادثة، نَشَرتُها لتوي، وكان الشاذلي حيا، وكذلك بشير رويس! فماذا لو خرجتْ هذه القضية إلى الرأي العام، على لسان الشاذلي، أليست لتكون فضيحة أكبر من الفضائح التي نعرفها اليوم؟!.
الدولة القوية هي دولة مؤسسات، وليست دولة أشخاص! ومساوئ السلطة الحاكمة اليوم في الجزائر، هي تهميش المؤسسات، والتركيز على الأشخاص!.
بقلم: سعد بوعقبة
فايبر أنا الجزائر… أخبار أكثر شاهد أكثر