
توقفوا عن توظيف البشر!

في عالم يتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، ألقت حملة إعلانية جديدة بظلالها على المشهد العالمي، محرضةً نقاشاً ساخناً حول دور الذكاء الاصطناعي في سوق العمل. حملة تحمل عنواناً جريئاً: «توقف عن توظيف البشر»، انطلقت من مدينة سان فرانسيسكو لتمتد إلى عواصم عالمية، مثيرةً موجات من الجدل والتساؤلات. هذه الحملة، التي أطلقتها شركة “Artisan” الأمريكية الناشئة، لم تكتفِ بجذب الأنظار، بل نجحت في وضعنا أمام مرآة تعكس مخاوفنا وطموحاتنا حول مستقبل العمل.
- بقلم: زبير فاضل
الجرأة في التسويق: صدمة مقصودة أم استفزاز غير مسؤول؟
منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الحملة ليست مجرد إعلان تقليدي. عبارات مثل «روبوتات Artisan لن تأتي إلى العمل متعبة وثملة» أو «لا تحتاج إجازات وراحة» لم تكن مصممة فقط للترويج لمنتج الشركة – وهو وكيل ذكاء اصطناعي يُدعى Ava – بل لإثارة ردود فعل عاطفية قوية. هذه العبارات، التي وُصفت بالمهينة من قبل البعض، استهدفت قلب مخاوف العاملين حول استبدالهم بآلات لا تتعب ولا تشتكي.
لكن، وراء هذا الاستفزاز، يكمن هدف تسويقي مدروس. الحملة تنتمي إلى ما يُعرف بـ«التسويق الجريء»، حيث تُستخدم الصدمة كأداة لجذب الانتباه. وفقاً لخبراء الإعلانات، حققت الحملة نجاحاً باهراً في هذا السياق، حيث ولّدت مليارات المشاهدات وجعلت اسم Artisan على كل لسان. لكن السؤال يبقى: هل يمكن أن يكون الاهتمام السلبي مفيداً فعلاً؟ وهل يستحق الأمر المخاطرة بإثارة غضب الجمهور؟
Artisan: الوجه الآخر للعملة
من المفارقات أن الشركة التي تدعو إلى «التوقف عن توظيف البشر» أكدت أنها توسّع فريقها البشري! هذه التناقضات تضيف طبقة من التعقيد إلى القصة. تأسست Artisan في عام 2023، وجمعت تمويلات متواضعة نسبياً – 46 مليون دولار حتى الآن – مقارنةً بعمالقة الذكاء الاصطناعي. منتجها الرئيسي، Ava، هو وكيل ذكاء اصطناعي يُستخدم كمسؤول مبيعات في أكثر من 300 شركة. الشركة تروّج لفكرة أن روبوتاتها لا تحتاج إلى إشراف بشري، وهو ما يميزها في سوق تنافسي شرس.
لكن، وبعيداً عن الشعارات البراقة، فإن الحملة تكشف عن تحدٍ أكبر: كيف يمكن للشركات التوفيق بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتخفيف مخاوف المجتمع؟ اليوم، يعيش العالم حالة من القلق المتزايد حول الأتمتة وفقدان الوظائف، وهو ما جعل هذه الحملة أشبه بصب الزيت على النار.
مستقبل العمل: تعاون أم استبدال؟
الحملة تفتح الباب أمام نقاش أعمق حول مستقبل العمل. هل الذكاء الاصطناعي هو العدو الذي سيسرق وظائفنا، أم الشريك الذي سيعزز إنتاجيتنا؟ الحقيقة، كما أراها، تقع في المنتصف. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحرر البشر من المهام الروتينية، مما يتيح لنا التركيز على الإبداع والابتكار. لكن هذا يتطلب استثماراً في التعليم وإعادة التأهيل لضمان أن يظل البشر في صدارة المشهد.
كمحترف في عالم الأعمال، أرى أن الشركات مثل Artisan تتحمل مسؤولية كبيرة في صياغة خطاب متوازن. بدلاً من استفزاز الجمهور، يمكنها التركيز على كيفية تعزيز التعاون بين البشر والآلات. هذا هو الطريق لكسب ثقة العملاء والمجتمع على المدى الطويل.
درس من Artisan
حملة «توقف عن توظيف البشر» قد تكون نجحت في جذب الانتباه، لكنها تذكرنا أيضاً بأهمية المسؤولية في التسويق. في عالم يتغير بسرعة، يجب أن تكون الشركات جسوراً للثقة، لا مشعلي مخاوف. دعونا نأخذ من هذه الحملة درساً: الجرأة مطلوبة، لكن الحكمة أهم.
ما رأيكم في هذه الحملة؟ هل ترونها خطوة ذكية أم مغامرة محفوفة بالمخاطر؟ شاركوني آراءكم!

زبير فاضل – صحفي وخبير في استراتيجيات الأعمال والتكنولوجيا
للمزيد من المقالات، تابعوني على LinkedIn!
تابعنا على فايسبوك: “أنا الجزائر تك”














