
تأملات… ومفارقات!؟

يمكن اختصار بؤس بعض العقول الجزائرية فيما يأتي:
الأمير عبد القادر، جاهد الاستعمار في مقاومة استمرت 17 سنة، ولكن الكثير يحكم على خاتمة هذه المقاومة، والتي انتهت بمعاهدة “تافنة” مع الفرنسيين، والكثير يتهم الأمير بالاستسلام، ويحاسبونه على ذلك، دون البحث في أسباب ما قيل إنه استسلام، نفس الشيئ بالنسبة لأب الوطنية ميصالي الحاج، والذي كون جيلا من المناضلين، وأرسى أسس الاستقلال، لكن خاتمته كانت على غير ما كانت عليها بداياته المشرفة،ولهذا يقال: “اللهم احسن خاتمتي”، لأن الناس لا يحفظون لك بداياتك المشرفة بقدر ما يحفظون النهايات!؟
لماذا لا يتم قلب الصورة مثلا مع المجاهدين، الذين كانوا في الجيش الفرنسي، ثم التحقوا بالثورة، وجاهدوا حق الجهاد، من أجل استقلال الجزائر! ولكن خاتمتهم المشرفة لم تلغي لدى البعض بداياتهم، فيقال عنهم أنهم عناصر فرنسا المندسين في صفوف الثوار! وابرز مثال على ذلك أولائك الذين يطلق عليهم “ضباط فرنسا”! فلماذا يأخذ البعض أولائك بجريرة النهايات، ويأخذ هؤلاء بجريرة البدايات، ألا يحتاج هذا الأمر، إلى إعادة نظر جدية في الحكم على الأشياء؟!
حتى الصحابة رضوان الله عليهم، كان بعضهم أشد قسوة على المسلمين في بداية الدعوة، ولكن حين أعلنوا اسلامهم، وحسن دينهم، أصبحوا قدوة للمسلمين على مر الأزمنة، والعصور، لأن نهاياتهم المشرفة ألغت بداياتهم البائسة، ومثال ذلك، الفاروق عمر بن الخطاب، وسيف الله المسلول، خالد ابن الوليد، رضي الله عنهما!
إن تاريخ الجزائر الحديث، يتطلب قراءة متأنية وواعية للحكم على أفراده إيجابيا، أو سلبيا، وإن الأحكام الميكانيكية على الناس، بدون دراسة وتأمل، تزرع البلبلة في العقول أكثر مما تقيم الأعمدة الراسخة لأسس الدولة الحديثة، المتصالحة مع أحداثها التاريخية!
فإذا أخذنا الرئيس الفرنسي مثلا، وهو يدشن النصب التذكراي للشهيد الجزائري الفرنسي، موريس أودان في قلب العاصمة الجزائرية، رغم أن الكثير من الفرنسيين يعتبرون موريس خائنا لوطنه فرنسا، ووقف مع الثورة التحريرية الجزائرية، وجرم الاستعمار الفرنسي، إلا أن ماكرون الذي لم يجرم الاستعمار، ويرفض طلب الغفران من الجزائريين، كرم مواطنه موريس أودان، ودشن نصب تذكاره!؟ وهنا يتضح لنا أن الأمور التاريخية المتداخلة بين فرنسا والجزائر، تتطلب نوعا من المعالجة الواعدة، التي لا تثير القلاقل أكثر مما هي مثارة بين البلدين! لذلك أرى من المفيد أن نعيد النظر في مفهوم الوطنية اليوم، فالأمور لم تعد كما كانت قبل 60 سنة، فمصلحة الشعب والبلد أولى، وإلا فسنجلب لنفسنا متاعب إضافية نحن في غنى عنها!
بقلم: سعد بوعقبة
فايبر أنا الجزائر… أخبار أكثر شاهد أكثر